التكنولوجيا في ساحات القتال: كيف حوّلت مايكروسوفت وغوغل الحروب الحديثة إلى "ساحات رقمية"؟
مايكروسوفت وإسرائيل: الذكاء الاصطناعي كأداة إبادة
كشفت وثائق مسربة عن دور كبير لشركة مايكروسوفت في دعم الجيش الإسرائيلي خلال حرب غزة. قدمت الشركة خدمات متقدمة من خلال منصتها السحابية والذكاء الاصطناعي، مما أتاح تحليلًا واسع النطاق لبيانات المراقبة.
خدمات أزور السحابية استخدمت لتخزين 13.6 بيتابايت من بيانات المراقبة الجماعية، بما في ذلك ترجمة المكالمات والرسائل الفلسطينية من العربية إلى العبرية، وهو ما سهل تحديد الأهداف المحتملة بدقة عالية.
نموذج لافندر للذكاء الاصطناعي صنّف أكثر من 37 ألف فلسطيني كمشتبه بهم بناءً على تحليل بيانات 2.3 مليون شخص في قطاع غزة، وهو ما يُظهر مدى تطور استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الاستهداف.
الدعم الفني المباشر قدّمته الشركة بما يقارب 19,000 ساعة دعم تقني بقيمة بلغت 10 ملايين دولار، شملت تدريب الجنود وصيانة أنظمتها الرقمية المعقدة.
ردود الفعل الداخلية:
واجهت الشركة انتقادات داخلية كبيرة من موظفيها، خصوصًا المهندس المصري حسام نصر والمغربية ابتهال أبو السعد، اللذين تم فصلهما بعد احتجاجهم على التعاون مع الجيش الإسرائيلي. وصفت أبو السعد يد الشركة بأنها "ملطخة بدماء الفلسطينيين"، بينما أكد نصر أن هذا التعاون يُستخدم في عمليات إبادة جماعية مستندة إلى الذكاء الاصطناعي.
الحرب الإيرانية-الإسرائيلية: الذكاء الاصطناعي يحسم موازين القوة
خلال الحرب القصيرة بين إسرائيل وإيران في يونيو 2025، ظهرت التكنولوجيا بوضوح كعامل حاسم في سير المعارك.
الضربات عن بعد استخدمت إسرائيل طائرات مُسيّرة وصواريخ ذكية لاستهداف منشآت نووية إيرانية في نطنز وأصفهان، بينما ردت إيران بصواريخ طويلة المدى دمرت معهد وايزمان للأبحاث.
دور غوغل وأمازون تنافست الشركتان لتزويد إسرائيل بتقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. وحذر أحد موظفي غوغل من أن الجيش الإسرائيلي قد يتحول إلى منصة أمازون إذا لم تسرع الشركة في تقديم حلولها.
التوازن الهش رغم تفوق إسرائيل التكنولوجي المدعوم أمريكيًا، لم تنجح في تدمير البرنامج النووي الإيراني تمامًا. في المقابل، أظهرت إيران لأول مرة قدرتها على اختراق الدفاعات الإسرائيلية، ما يشير إلى تصاعد المنافسة التقنية بين البلدين.
أوكرانيا: انهيار الدعم التكنولوجي الغربي
شكلت الحرب الأوكرانية (2022-2025) مثالًا واضحًا على تحول التكنولوجيا إلى سلاح استراتيجي.
الاعتماد على الشركات الأمريكية استخدم الجيش الأوكراني أنظمة ذكاء اصطناعي أمريكية لتحليل تحركات القوات الروسية، لكن تعليق الولايات المتحدة لشحنات الأسلحة مؤخرًا كشف هشاشة هذا الدعم.
الرد الروسي تمكن الجيش الروسي من تدمير 39 طائرة مُسيّرة أوكرانية في هجوم واحد، كما أظهر تفوّقًا في مجال الحرب الإلكترونية وتعطيل شبكات الاتصال.
الأبعاد الإنسانية أدت الحرب إلى نزوح 8.2 مليون أوكراني، ودمار البنية التحتية الرقمية التي عزلت العديد من المجتمعات عن العالم الخارجي.
الهند وباكستان: قطع الخدمات الرقمية سلاح استراتيجي
شهد النزاع بين الهند وباكستان تصعيدًا غير مسبوق في أبريل 2025، بعد هجوم باهالجام في كشمير.
إلغاء معاهدة مياه السند استخدمت الهند القرار كأداة ضغط استراتيجية، مما يهدد الأمن الغذائي لملايين المواطنين في باكستان.
السيطرة على المجال الجوي أغلقت باكستان مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، ما أثر بشكل مباشر على خطوط الشحن الدولية التي تعتمد على خدمات سحابية مثل "أزور" و"غوغل كلاود".
التصعيد الرقمي تبادل الطرفان الاختراقات السيبرانية، مما أثر على قطاعات البنوك والصحة في المناطق الحدودية، وأظهر أن الحروب المستقبلية لن تكون فقط بالطائرات والدبابات، بل أيضًا عبر الإنترنت.
الشركات التكنولوجية.. جيوش جديدة في الحروب؟
باتت شركات التكنولوجيا الكبرى مثل مايكروسوفت وغوغل لاعبًا عسكريًا غير مباشر، حيث أصبحت أدواتها أساسية في العمليات القتالية الحديثة.
المعضلة الأخلاقية بينما تعلن مايكروسوفت التزامها بسياسات الاستخدام الأخلاقي، فإن تقارير ميدانية تشير إلى أن أدواتها ساهمت في ضربات جوية خاطئة أسفرت عن مقتل مدنيين، كما حدث في لبنان عام 2023.
النموذج الروسي-الصيني في مقابل الاعتماد الغربي على التكنولوجيا، تعمل كل من روسيا والصين على تطوير أنظمة محلية للذكاء الاصطناعي لتفادي الاعتماد على الشركات الغربية. ومن أبرز هذه المشاريع مشروع "سويران" الروسي الذي يهدف إلى مكافحة الطائرات المسيرة.
مستقبل الحروب يقول الخبير العسكري أليكسي ليونتيف: "من يتحكم في السحابة الإلكترونية سيفرض هيمنته على ساحات القتال". وهذا يعني أن الصراع القادم سيكون حول التكنولوجيا أكثر مما هو حول السلاح التقليدي.
"غزة أول إبادة جماعية في التاريخ باستخدام الذكاء الاصطناعي" — حسام نصر، مهندس مايكروسوفت السابق.
تحول تاريخي نحو الحروب الرقمية
لم تعد الحروب اليوم تدور فقط حول الدبابات والطائرات، بل حول من يملك القدرة على تخزين البيانات، وتحليلها، واستخدامها في اتخاذ قرارات قتالية دقيقة. هذا التحوّل يجعل من شركات التكنولوجيا الكبرى أطرافًا مباشرة في الصراعات المسلحة، ويضع البشرية أمام معضلات أخلاقية وسياسية حاسمة.
إن تحكم الشركات في البيانات، وتطويرها لأنظمة ذكاء اصطناعي قاتلة، يعيد تعريف مفهوم السيادة الوطنية، ويجعل من التكنولوجيا سلاحًا استراتيجيًا لا يمكن تجاهله في أي نزاع مستقبلي.
ليست هناك تعليقات