المغرب بين ثروات الأرض وعبء الديون: تقرير اقتصادي متير لعام 2025
في ظل تناقضات اقتصادية لافتة، تجتمع على طاولة المغرب أوراق قوة تاريخية وأخرى لتحديات راهنة. فبينما تتدفق العملة الصعبة من مناجم الفوسفات والفضة ومن تحويلات المغاربة بالخارج، ترتفع أصوات المحللين تحذر من تضخم الديون والعجز التجاري. هذه الصورة المتعددة الأوجه نعرضها عبر أحدث الأرقام الرسمية ومقارنات إقليمية دقيقة.
ثروات تتدفق وأرقام تتكلم
تشير بيانات بنك المغرب إلى وصول احتياطي العملة الصعبة إلى 37.5 مليار دولار بنهاية 2024، مدعوماً بعوامل رئيسية:
- تحويلات المغتربين تسجل ارتفاعاً مستمراً لتلامس 115 مليار درهم (11.3 مليار دولار) سنوياً
- عائدات الفوسفات ومشتقاته تقفز 12.3% لتصل إلى 27.6 مليار درهم
- تتصدر المغرب إفريقيا في إنتاج الفضة (8.8 مليون أوقية) مع اكتشافات واعدة للكوبالت والنحاس في ورزازات
الجانب المظلم: أرقام تثير القلق
رغم هذه الموارد، تواجه الخزينة العامة تحديات جسيمة:
1. العجز التجاري قفز 22.8% خلال الربع الأول من 2025 ليصل إلى 109 مليارات درهم، بسبب فجوة استيرادية واسعة
2. الدين الخارجي يقترب من اختراق حاجز الـ107.9 مليار دولار، أي ما يعادل 68.7% من الناتج المحلي الإجمالي
3. خدمة الدين تلتهم 18% من الإيرادات الحكومية، بما يعادل 4.5 مليار دولار سنوياً
المغرب في ساحة شمال إفريقيا: مقارنة صادمة
عند وضع الأرقام في سياقها الإقليمي، تبرز مفارقات لافتة:
- مصر تتصدر دول المنطقة بدين خارجي هائل (345.5 مليار دولار) يمثل 90.9% من ناتجها
- الجزائر تحافظ على وضع أفضل (دين 45.7% من الناتج) بفضل عائدات الطاقة
- المغرب يتوسط المشهد بدين يعادل 68.7% من ناتجه، متقدماً على تونس (نحو 80%) لكنه أقل من مصر
- في التصنيف الإفريقي، يحتل المركز الرابع في حجم الديون الخارجية بعد مصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا
لماذا لا تتحول الثروات إلى تنمية؟
يطرح الخبير الاقتصادي د. عمر الكتاني تحليلاً مثيراً: "لدينا مفارقة مغربية صارخة: نستخرج ثروات معدنية بقيمة 60 مليار دولار من أراضينا، لكننا نستورد حتى الطحين! السر يكمن في غياب الصناعات التحويلية". فعائدات التعدين تشكل 10% من الناتج، لكنها تُصدّر خاماً دون تحويل.
بارقات أمل في الأفق
لا تغيب نقاط الضوء عن المشهد:
- قطاع السيارات يحافظ على صدارته للصادرات برغم تراجع طفيف (49 مليار درهم)
- السياحة تعاود الانتعاش بإيرادات 34.5 مليار درهم (زيادة 7.5%)
- مشاريع واعدة في مجال الكوبالت تدخل المغرب خريطة صناعة السيارات الكهربائية
الطريق إلى الأمام
تتجه الحكومة لمواجهة التحديات عبر:
- خطة طموحة لخفض العجز إلى 3% بحلول 2027
- تعزيز التصنيع المحلي للموارد الطبيعية
- استثمار 6 مليارات درهم من عائدات الخصخصة
يقول وزير الاقتصاد محمد بجويض في تصريح خاص: "الرهان اليوم على توطين الصناعات الإستراتيجية، خصوصاً في مجال الطاقة والمعادن، لتحويل مواردنا إلى قوة اقتصادية حقيقية".
بينما تتناثر حبات "الذهب الأبيض" في صحاري المغرب، تبقى المعادلة الأصعب هي تحويل هذه الثروات الباطنية إلى تنمية فوق الأرض، في سباق ضد الزمن لموازنة موارد البلاد وديونها قبل فوات الأوان.
ليست هناك تعليقات