هل انتهت مهام الأمين العام لحزب الاستقلال إلى تنميق الجدران وتلميع القبور؟

 


اشرف بلمودن

آخر مهمة لنزار بركة قبل قراءة الفاتحة

نزلَ نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، إلى سيدي يحيى زعير لا ليعلن عن مشروع تنموي ضخم، ولا ليدافع عن قضية اجتماعية، بل ليشرف على صباغة جدار مقبرة. نعم، مقبرة. الرجل الذي يُفترض أن يقود حزبا بتاريخ نضالي عريق، قرر أن يعيد تقديم نفسه للمغاربة بفرشاة ودلو صباغة، في مشهد يثير الشفقة أكثر مما يثير الإعجاب.


هل انتهت مهام الأمين العام لحزب الاستقلال إلى تنميق الجدران وتلميع القبور؟ هل اختزل نزار بركة مفهوم “العدالة المجالية” في بضعة أمتار من الطلاء الأبيض؟ الصورة التي وزّعها الحزب على أمل أن تُظهره قريبا من المواطنين، تحوّلت إلى مادة للسخرية. والحق يُقال، لم يكن المشهد بحاجة لتعليق، فقد نطق بلسان الحال.. هذا ما تبقى من حزب الاستقلال.


أين هو حزب علال الفاسي؟ أين هم من ساروا على دربه، من عبد الكريم غلاب إلى امحمد بوستة إلى امحمد خليفة وعباس الفاسي وآخرون..؟ هل كان هؤلاء ليقبلوا بأن يُختزل تاريخ الحزب في نشاط لا يتجرأ حتى فاعل جمعوي على تسويقه كإنجاز؟ أي إحراج سياسي أكبر من أن يرى مناضلو الاستقلال، الحقيقيون، زعيمهم وهو يتباهى بطلاء سور مقبرة بينما القرى تُهمّش، والمواطنون يُعانون في صمت، والعائلات تُنتزع من أراضيها كما وقع في كيش الأوداية وتمارة؟


نزار بركة، بدل أن يفتح ملفات الناس، فتح دلو صباغة. وبدل أن يُرمم صورة الحزب السياسية، اختار جداراً ميتاً ليستر به عجزه الحي. يبدو أن الرجل لم يجد أمامه سوى الموتى ليتواصل معهم، لأن الأحياء سئموا من الشعارات، وملّوا من الغياب، واحتفظوا في ذاكرتهم بجنازة حزب كان يحمل اسم الاستقلال، فتحوّل إلى ملصق باهت على جدار مقبرة.


أما الفضيحة، فهي أن نزار بركة لم يجد من كل أدوات العمل السياسي سوى سطل الصباغة ليقنعنا بأنه ما زال زعيما لحزب الاستقلال. الرجل الذي يُفترض أنه يحمل شعلة علال الفاسي، ظهر كموظف جماعي من الدرجة الثالثة، يفتتح عملية “ترميم” جدار مقبرة وكأنه يطلق مشروعاً وطنياً استراتيجياً!


علال الفاسي كان يبني وعياً، ونزار بركة يصبغ حيطاناً. امحمد بوستة كان يقود المواقف، وبركة يقود الفرشاة. امحمد خليفة كان يواجه القضايا الوطنية، وبركة يواجه الرطوبة على سور مهجور. أما حزب الاستقلال، فبعد أن كان صوتاً للأمّة، أصبح في هذه الحقبة الكئيبة فقط صدى لجدار ميت… لا يرد.


نزار بركة، بدل أن يرمم ما تبقى من الحزب، قرر أن يبدأ بالطلاء… فوق قبور الناس. ولسخرية القدر، ظن أن الصورة ستمنحه بعض الحياة السياسية، لكنها كانت أقرب إلى شهادة وفاة حزبية معلّقة على جدار. 


إنه ليس سقوطاً سياسياً عادياً، بل إهانة تاريخية موثّقة، لحزب كان يوماً ضمير الوطن، فإذا به يُساق على يد نزار بركة إلى مشهد عبثي تُمارَس فيه السياسة بفرشاة، ويُختزل فيه المجد الوطني في دلو صباغة. 


علال الفاسي لم يؤسس حزباً ليُجمِّل الواجهات، بل ليواجه الظلم ويقود الأمة. واليوم، بأيدي القيادة الحالية، يُسجَّل أعنف انقلاب على هوية الحزب، حيث تحوّل من قوة فكرية تصنع التوازنات الكبرى، إلى كائن يتسكّع بين المقابر بحثاً عن صورة تُنقذ ماء الوجه. إنها لحظة مهينة في تاريخ الاستقلال، لا تُغتفر، ولا تُنسى… حين قرر نزار بركة أن يطلي قبر الحزب… بيده.

ليست هناك تعليقات

صور المظاهر بواسطة linearcurves. يتم التشغيل بواسطة Blogger.