صمت القبور، الذي فضحه الناس الذين خرجوا أمس في اكثر من مدينة مغربية ضد العدوان
المغاربة، كما غيرهم من الشعوب، مذهولون من شيئين: أولًا، من بربرية نتنياهو، الذي قتل 500 فلسطيني، نصفهم أطفال وهم نيام، في يوم واحد، بعد أن جدد قرار استئناف الحرب إثر تعثر المفاوضات مع حماس دون سابق إعلام ولا تحذير للمدنيين ولا تمييز بين مقاوم ومدني بين مقاتل وطفل رضيع وهذه جريمة حرب بلا جدال.
وثانيًا المغاربة مذهولون، من صمت الخارجية المغربية عن هذه المذبحة المروعة، التي تُرتكب علنًا، صوتًا وصورة، أمام أعين الجميع.
المغربي يتساءل: لماذا لم يكتب ناصر بوريطة بيانًا من سطرين يقول فيه: إن المملكة تستنكر هذه المجزرة البشرية التي ارتكبتها إسرائيل في شهر الصيام، وإن المغرب يدعو إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات عاجلة في أفق حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية؟
هذا أضعف أضعف الإيمان من بلاد يترأس عاهلها لجنة القدس، ودولة إلتزمت مع الشعب وامام العالم بأن مواقفها إزاء عدالة القضية الفلسطينة ومناصرتها لن تتزحزح بفعل توقيع اتفاقات التطبيع مع اسرائيل في عهد حكومة سعد الدين العثماني !
اللغة الدبلوماسية مليئة بالصيغ التي تتيح التعبير عن المواقف التي ترضي كل الأطراف، لكن الأهم هو أن تراعي الخارجية المغربية، الممولة من جيوب دافعي الضرائب، مشاعر هذا الشعب الذي تمثله أو من المفترض أنها تمثله.
لاحظتم أني أتحدث عن مطالب دافعي الضرائب وهو الحد الادنى من المواطنة ومن التعاقد بين الحكومة والشعب، ولم أتحدث عن المشاعر الدينية و القومية والالتزامات الإنسانية، والاعتبارات السياسية ،لان المعجم الأخير لا تفهمه هذه الحكومة، وإذا فهمته فهي لا تقيم له وزنا على الإطلاق …
لا يمكن لوزارة خارجية المغرب أن تلجأ إلى صمت القبور، الذي يجرح مشاعر الناس الذين خرجوا للتنفيس عن غضبهم أمس في اكثر من مدينة مغربية..
صمت بوريطة وفريقه عن وحشية نت نياهو يزيد من ألم المغاربة ، في وقت يسمع فيه المواطنون بيانات استنكار من دول أوروبية وآسيوية ولاتينية وعربية وإفريقية ومسلمة ومسيحية وبوذية ولا دينية….بينما لا يسمعون صوت بلادهم أمام (هولوكست) فلسطيني هو بمثابة امتحان قاسٍ لما بقي من ضمير إنساني فينا.
ليجلس السيد بوريطة خمس دقائق أمام القنوات التلفزيونية العالمية، ويتخيل أن الأطفال الصغار، الذين يُحملون في أكفان بيضاء إلى نعوش صغيرة والدماء تغطيهم في غزة، هم أبناؤه، وهؤلاء الأبناء لهم آباء ولهم قضية وأمامهم عدو لا يرحم، عدو متهم باخطر جريمة في الكون ( الإبادة الجماعية) وهذا الاتهام ليس صادرا عن خصم لاسرائيل بل عن المحكمة الجنائية الدولية التي وقعت على ميثاقها اكثر من 122 دولة حول العالم .
نعم السيد بوريطة وزير تيكنوقراطي بلا انتماء سياسي وبلا إلتزام انتخابي وبلا هاجس او خوف من دفع الحساب لأحد، لكنه وزير بحس إنساني في ما أتصور ، يشعر بما نشعر به من ألم وفاجعة على قتل الانسان الفلسطيني بهذا الاستخفاف الفظيع في غزة …
نعم نعرف ان هناك تطبيع غير طبيعي جرى ويجري، ونعرف ان هناك اتصلات علنية وسرية وعلاقات مع اسرائيل تتحسب لها الديبلوماسية المغربية .
لكن نعرف ايضا ان هم كل حكومة وكل دولة وكل نظام في العالم هو الانسجام مع الرأي العام الداخلي وأخذ رأيه ومشاعره وغضبه وقضاياه بعين الاعتبار.
فجوهر السياسة الخارجية هي السياسة الداخلية، ومستوى رضا الناس عمن يحكمهم ومن يمثلهم في الخارج.. وهنا بالضبط تنبع الحاجة إلى الديبلوماسية والى الحرفية في إدارة دفة السياسة الخارجية، لتأخذ كل هذه المعطيات والإكراهات والمطالب بعين الاعتبار، لا ان تغلق فمها وتنظم إلى ساكني القبور.
هذا لا يليق بدولة عريقة وشعب أظهر للعالم تشبثه بعدالة القضية الفلسطينية في بعدها الإنساني قبل اي بعد آخر …
عندما تتخذ دولة من الدول موقفا من سلوك إجرامي او احتلال عنصري، او إبادة جماعية، او نظام ابترهايد او مس خطير بالنظام البيئي… رغم بعد هذه الدول آلاف الكيلومترات عن مكان الأزمة ،او ساحة الحرب،
فذلك لان من مسوولية الدول الحديثة الدفاع عن إحلال السلام العالمي، وإرساء أسس نظام دولي قائم على احترام القانون الدولي وحقوق البشر في السلم كما في الحرب، والالتزام بالميثاق المؤسس للأمم المتحدة .. وإلا فان العالم سيصير غابة، والصمت سيصير تشجيعا على خرق القانون، وعندها فان اي دولة لا يمكن ان تنعم بالسلم والسلام .
ليست هناك تعليقات