ماهي أسباب غياب البرامج الثقافية في إعلامنا العربي

من الأهداف الأساسية للتلفزة العمومية نشر رسائل ثقافية وتربوية أساسها البناء، لكن للأسف يبدو أن التلفزيون العربي في مجمله مستغن تماما عن الثقافة، أو يكاد، رغم أنها أي الثقافة حجر الأساس لهذه المؤسسة لأنها قبل أن تكون وسيلة للتسلية وفقط، كما هي عليه اليوم، فإن مهمتها الطبيعية الأولى هي إنتاج البرامج الثقافية ونشر الوعي والتحريض على القراءة والتفكير.

لا يستقيم أيضا أن نتحدث عن التلفزة العمومية بصفتها مطالبة كمؤسسة بالخدمة العمومية، أي خدمة المجتمع، دون أن نربطها بالثقافة والتربية والفكر كأحد أهدافها الأساسية، بل إنها ما وجدت إلا لأجل هذه الغاية، فلا يمكن إذن أن نتحدث عن التلفزة العمومية بمعزل عن البرامج الثقافية التي تأسست من أجلها هذه الأخيرة وإلا بتنا نتحدث عن إعلام خاص تحكمه نسبة المشاهدة والأرباح.

لكن وللأسف الشديد تأتي البرامج الأدبية والثقافية في آخر الصف، بل تكاد تغيب أو إن صح التعبير تُغيّب عن عمد؟
فهل أصبحنا نحن بدورنا كمتلقيين في استغناء تام أيضا عن الثقافة عندما لم نعد نذهب إلى المجلة والجريدة والكتاب، وبالتالي أصبح تلقائيا مصدر ثقافتنا الوحيد هو ما يُعرض على شاشتنا من أفلام ومسلسلات أجنبية وتسلية سطحية...؟
هل أصبحنا نتلقى ما يُعرض علينا نلتهمه دون هظم ودون أن نعترض عليه لأنه ما عادت لدينا حرية الاختيار والإنتقاء والنقد على الخصوص؟
هل أصبحنا فعلا شعوبا مخدرة غير قادرة على التفكير والإبداع والقراءة؟
هل يكون السبب في هذا أننا مجتمعات تمت برمجتها على كراهية الكتاب وكأنه قرار سياسي من أجل إنتاج مجتمع طيع، مستعبد وغير مستعد لأن يكون حرا ولو ثقافيا؟

وهنا نقول إنه يجدر بالتلفزيون العربي العمومي إذا أراد أن يلعب دوره الحقيقي أن تكون البرامج الثقافية محوره الأساسي وذلك حتى يصالح المشاهد مع القراءة وينهض بوعيه ويحرضه على التفكير والسؤال، خصوصا الجيل الحالي الذي تكاد ثقافته تكون منعدمة حتى لا أقول ضحلة للأسف.

علينا أن نعترف أيضا نحن كشعوب عربية أننا أحوج الناس للبرامج الثقافية بما أننا في خصام دائم مع القراءة وفي كسل ثقافي وخمول فكري لا نظير له.

وفي الحقيقة نحن نعيش في فراغ ثقافي رهيب يجعلنا عرضة وضحية لأي تطرف أو تبعية أو استقطاب كوننا لا نمتلك أدوات التفكير والنقد والمساءلة والشك التي قد يمنحنا إياها الأدب والفكر.

وللأسف الشديد، لا يمكن أن تنهض الأمة إذا كانت شاشاتها العمومية قد تأسست من أجل التسلية ودخل الإشهار وفقط، ضاربة عرض الحائط الثقافة والفكر، معادية للبرامج الثقافية.

وفي الختام نقول إنه في الأخير قرار سياسي وإرادة شعب، لكننا هنا نحرض على السؤال والتفكير فقط.


محمد العودي.