الجزائر: عنتريات ضد المغرب وخنوع أمام الأوروبيين

   ما تزال الدولة الجزائرية، بعد ستين سنة من تأسيسها على يد الاستعمار الفرنسي، تلوك شعارات الثورة كما يلوك العاجز حجرا ظنا منه أنه طعام. تعيش هذه الدولة على إرث مزعوم لم يعد يقنع أحدا، لا في الداخل ولا في الخارج، وتتمسك بأوهام المجد الغابر تمسك الغريق بما يطفو. إعلامها، وقد انقلب إلى أبواق فجة، لا يصدر إلا زفير الكراهية وحشرجة الكبرياء المصطنع، ولا يكف عن شحن المواطن الجزائري بمادة لا تفرز إلا الوهم والعنجهية التي لا تساوي شيئا عند أول اختبار.
     الكائن الجزائري، الذي صنع في أفران المدرسة القومية المتخشبة، تربى على مفاهيم مغلوطة عن نفسه وعن غيره. يتحدث عن الكرامة كما يتحدث العاجز عن البطولة، يوزع دروس العزة كما يوزع الجاهل فتواه، ويتوهم "النيف" مرادفا للفحولة السياسية، بينما هو في الحقيقة تغليف هزلي لعقدة نقص مستحكمة، تقنع الجبن وتغطي الخنوع.
     الجزائري يستأسد على المغربي والموريتاني، يملأ الدنيا صراخا إذا تعلق الأمر بجاره المغاربي، لكنه لا يجرؤ أن يرفع حاجبا في وجه باريس أو مدريد أو واشنطن. يصدر الغضب جنوبا، ويفرغ الحقد شرقا وغربا، بينما يخفض الصوت ويقبل اليد إن أطل الأوروبي من شرفته. ثار على إسبانيا لأنها دعمت مغربية الصحراء، ثم عاد يطلب ودها كمن عاد إلى جلاده طائعا. سجن كاتبا فرنسيا جزائري الأصل لأنه تجرأ وقال الحقيقة، ثم أطلق سراحه عند أول همسة فرنسية، لا عن قناعة، بل لأن المولى أمر.
     ما يقال في الجزائر عن العدالة والسيادة والقرار الحر لا يساوي الحبر الذي يكتب به. تتظاهر الدولة بأنها ذات قرار مستقل، وهي في الواقع تنتظر الإملاءات من العواصم الكبرى. كل عنترياتها تنهار بلحظة، ويذوب الحديد الذي في لغتها أمام أول برقية دبلوماسية تصل من قصر الإليزيه. رئيس الدولة هناك لا يكاد ينطق بكلمة إلا ليعيد ما قاله الناطق باسم الخارجية الفرنسية. يهاتفه ماكرون فينحني، ويرسل له رسالة تهنئة فيرتجف. فماذا بقي من السيادة بعد هذا؟
     قضية بوعلام صلصال لم تكن حادثا عابرا، بل فضحت بنية مهترئة، دولة ترتعد من كاتب، وتهتز من سطر، وتغير روايتها بمجرد مكالمة هاتفية. مرة "لص مجهول الهوية"، ومرة "السيد بوعلام صلصال". هذا التناقض ليس عبثا، بل هو وجه من وجوه الانبطاح الذي لا يعرف حدا. أما الإعلام الرسمي الجزائري، فقد تحول إلى مسرح دمى، يكرر ما يطلب منه بالحرف، ويقلب الحقائق على رأسها، حتى بات المواطن الجزائري لا يثق لا في قناته، ولا في رئيسه، ولا حتى في نفسه.
     أما عن سلوكها الخارجي، فهش إلى حد الفضيحة. دولة مثل روسيا، حين لمحت إلى أن الجزائر لا تزن شيئا في ميزان "البريكس"، لم تحرك ساكنا. واكتفت كعادتها بالصمت. حفتر، الخارج لتوه من نار الحرب الأهلية، يهددها من طرابلس، ولم يجد فيهم رجلا يرد عليه، لا ببيان ولا حتى بزفرة. "تشك تشك"، كانت كل ما استطاع تبون قوله، ردا على تهديدات جدية.
     وعند كل أزمة، تبحث الجزائر عن منحدر تفرغ فيه انهيارها الداخلي. وغالبا ما يكون هذا المنحدر هو المغرب أو موريتانيا. إذا عجزت عن مواجهة فرنسا، طردت دبلوماسيا مغربيا. إذا أهينت في الأمم المتحدة، هاجمت الرباط. إذا جاعت، شتمت الصحراء. وما هذا سوى هروب إلى الأمام، لا يزيد الأمور إلا سوءا، ويؤكد لكل من كان له عقل أن الدولة الجارة لا تملك مشروعا تنمويا، ولا رؤية إقليمية، بل مجرد عقدة مزمنة من المملكة المغربية. كلما تلقت الجزائر صفعة من الخارج، مالت إلى المغرب لتفرغ عقدها. شتم، طرد سفراء، مقاطعة، ثم انبطاح. لا تتعلم. لا تتطور. لا تستحي. وكلما ازداد انكشاف عورتها أمام جيرانها، ازداد تهورها، وأصبحت سياساتها كأفعال طفل يعبث بمقود سيارة على منحدر. الجزائر اليوم دولة تدار بالخوف، تحكم بالشعارات، وتسيرها عقلية الحرب الباردة، في زمن لم يعد يتحمل الهشاشة ولا الغباء السياسي.
✍️محمد العبوب 
#الجزائر #المغرب #الصحراء_المغربية #النظام_الجزائري #تبون #ماكرون #بوعلام_صلصال #الجيش_الجزائري #الإليزيه #فرنسا #إسبانيا #روسيا #لافروف #حفتر #موريتانيا #الهوية_المغاربية #العنتريات_الجزائرية #البركس #الانبطاح_السياسي #العدو_الجبان #الكابرانات #البروباغندا #الإعلام_الرسمي #الهشاشة_السياسية #العقدة_المغربية #السيادة_الزائفة #الجزائر_اليوم #رد_الصاع_صاعين #النيف_الكاذب #دولة_الفرص_الضائعة

ليست هناك تعليقات

صور المظاهر بواسطة linearcurves. يتم التشغيل بواسطة Blogger.