عمر الشرقاوي:دان كيشوتية مواقع التواصل الاجتماعي

 
لاشك أن مواقع التواصل الاجتماعي وخواريزمياتها أصابت البعض بجنون

العظمة، وجعلت -ذلك البعض- يعتبر نفسه محور الكون وعليه تدور الأحداث وبسببه تصنع القرارات، ولخدمته تتحرك الدول. 
وبكثرة ما دخل البعض صباح مساء ومساء صباح في صراعات وهمية مدرة للربح حتى حول حياته إلى ما يشبه حياة ألونسو كيخانو الذي سيطلق على نفسه لاحقاً اسم “دون كيشوت” في حروبه مع الطواحين الهوائية. 
والحقيقة أن الرواية التي وضع فصولها الروائي الإسباني الشهير ميخائيل دي سرفانتس حول معالم شخصية مهوسة بالمواجهات الوهمية حيث يعتقد صاحبها أنه مركز البطولة وشخص مولع بإسقاط الأعداء ومهوس بتحقيق الانتصارات ينطبق على بعض مرضى جنون العظمة في هذا العالم الافتراضي. 
وبالعودة لقصة دان كيشوت فهي تدور حول رجل اسباني طويل القامة وهزيل البنية ناهز الخمسين عاماً، يعيش في واحدة من قرى إسبانيا إبان القرن السادس.
وتقول الرواية أن ألونسو قبل أن يتحول إلى دان كيشوط قضى أيامه من الصبح إلى الليل ومن الليل إلى الصبح في معتكفه الإرادي في قراءة أدب الفروسية، حتى إنه كان يبيع قطعاً من أرضه ليشتري بها كتباً عن الفروسية، وقد انتهى به هذا الهوس الشديد بالفروسية إلى فقدانه لصوابه وخلطه بين أوهامه والواقع.
وقبل أن يبدأ دان كيشوط  مغامراته اطلق اسما فخما على جواده؛ إذ من غير اللائق لفارس يتوهم أنه عظيم أن لا يكون لجواده اسم يُـتَعارف عليه بين الناس، وقد اهتدى آخر الأمر إلى إطلاق اسم “روثينانته” عليه. 
لبس دانكيشوط درعه وصقل سيفه واتخذ خليلة له كي يهديها انتصاراته الساحقة المرتقبة، ولم يتبقّ له سوى شيء واحد وهو اختيار مرافق مخلص له؛ فاختار لهذه المهمة سانشو الفلاح الساذج البسيط الذي وافق أن يكون تابعاً له على أن يجعله دون كيشوت حاكماً لإحدى الجزر التي سيحررها في مغامرته. 
والخلاصة أن دان كيشوت هو مثال لكل المصابين بجنون العظمة الذين يعيشون بأوهامهم وخيالاتهم وظنونهم خارج الواقع وخارج الزمن؛ الأمر الذي سيؤدي بهم لإذاية أنفسهم وخسارة كل معاركهم، لأنها معارك وهمية ومن صنع الخيال لكنها مدرة للأرباح.

ليست هناك تعليقات

صور المظاهر بواسطة linearcurves. يتم التشغيل بواسطة Blogger.