لوبي بنكي يمنع الصحافة، والبرلمان، وبنك المغرب، وحتى الحكومة من الاقتراب من حدائقه الخلفية.
طبعًا هذا الفاكتور الفرنسي كان يرى المغرب من السماء، وكان يقصد جمال الطبيعة، لا جمال سلوك البشر الذين يعيشون فوق هذه الأرض. لكن الخطاب الدعائي للدولة أخرج الجملة من سياقها واستعملها لتبييض سياسات عمومية لا بياض فيها.
في يوم من الأيام، قرر مجلس المنافسة، في عهد عبد العالي بنعمور (وليس في هذا العهد)، أن يفتح جزءًا من الصندوق الأسود للقطاع البنكي في المغرب. كشف لنا بعضًا من الأسرار المسكوت عنها، المحروسة بقوة لوبي بنكي يمنع الصحافة، والبرلمان، وبنك المغرب، وحتى الحكومة من الاقتراب من حدائقه الخلفية.
حسنًا، لنبدأ ببعض الأرقام التي تدعو لإعادة التفكير:
في المغرب، أكثر من 21 مليون شخص لديهم حسابات بنكية. أغلبهم فقراء، ومع ذلك تعرف الأبناك كيف تجعل منهم دجاجات تبيض ذهبًا. وهذه هي العبقرية… كيف تغتني الأبناك من وراء ظهر الفقراء؟ هذا ما سنعرفه بالأرقام، والأدلة، والدراسات.
فلنبدأ من البداية، كما العادة:
في عهد الحماية، كان بالمغرب 62 بنكًا. الآن، لم يبقَ سوى 12 بنكًا تجاريًا، و34 مؤسسة ذات طابع تمويلي (بنوك أعمال).
ماذا يعني هذا؟
يعني تركيزًا شديدًا في السوق البنكية، وغيابًا تامًا للمنافسة، وانعدامًا لتنوع العروض البنكية.
قارنوا هذا مع ألمانيا، مثلًا:
في 2023، كان هناك 1,403 بنكًا:
• 697 بنكًا تعاونيًا
• 360 بنك ادخار
• 242 بنكًا تجاريًا
(وكلها تخضع لتنظيم صارم ومنافسة حقيقية).
قارنوا في صمت رجاءً… ثم تأملوا في الرقم الأخطر:
في المغرب، 4 أبناك فقط تسيطر على 80% من السوق:
• التجاري وفا بنك
• البنك الشعبي
• بنك إفريقيا (BMCE سابقًا)
• البنك المغربي للتجارة والصناعة (BMCI)
دعونا نتحدث عن المشاكل الحقيقية للمغاربة، أفرادًا ومقاولات، مع الأبناك:
أولًا، البنك “يصلي ألف ركعة استخارة” قبل أن يعطيك قرضًا. لا تغامر الأبناك أبدًا في تمويل المشاريع أو الأفراد، ولماذا تغامر إذا كانت الدولة هي الزبون الأول عندها ، ثم تأتي القروض الموجهة للمجموعات المالية والتجارية الكبرى ثم يأتي (المرفحين )؟
ثانيًا، نسبة الفائدة عقوبة لا قرض!
في إسبانيا، الفائدة على القروض العقارية لا تتجاوز 2.5%. في المغرب؟ أكثر من 6%!
السبب؟ لا منافسة حقيقية. هناك اتفاق غير معلن بين الأبناك لاعتماد نفس النسب، كأنك تتعامل مع بنك واحد بواجهات متعددة.
المفاجأة:
حتى التأمين على القرض، لا يمكنك فيه اختيار شركة التأمين التي تناسبك. البنك يفرض عليك شركة تابعة له. يعني… فلوسك راحت ورجعت ليهم!
المشكلة لا تتوقف هنا:
عقود القروض والخدمات البنكية معقّدة وغير واضحة مثلا لا يمكنك ان تستفيد أبدا من اداء قرض قبل حلول موعد سداده كاملا يقولون لك البنك يقتطع نسبة الفائدة كلها قبل ان يشرع في استرادا اصل القرض !. المواطن البسيط يوقّع على أوراق مليئة بالأرقام والمصطلحات، كأنه يقرأ طلاسم!
ثم تأتي حفلة الرسوم الباهضة على مسك الحساب les frais bancaires :
• رسوم تسيير الحساب
• رسوم البطاقة البنكية
• رسوم التحويل
• رسوم الشيكات
• رسوم السحب من شباك بنك “صديق”
• رسوم التنفس داخل البنك!
كلها رسوم مبالغ فيها وغير منظمة، تُفرض كيفما شاء البنك، دون قانون يحمي الزبون الذي تستعمل الابناك أمواله المودعة في الحسابات الجارية دون ان يستفيد هو شيء .
مجلس المنافسة وجد أن:
مصاريف تسيير الحساب تتراوح بين 1,200 و1,300 درهم سنويًا.
وإذا علمنا أن أكثر من 80% من أصحاب الحسابات البنكية لا يتجاوز دخلهم السنوي 48,000 درهم، فهذه المصاريف تُقتطع من اللحم الحي… ليست ربحًا، بل “سُحت” حقيقي.
والمصيبة الأخرى:
الأبناك لا تغلق الحسابات المجمدة بعد سنة كما ينص القانون، حتى تبقى الرسوم تدور وتدور…
البنك اليوم مؤسسة حيوية في الاقتصاد. لكن إن لم يحترم قواعد اللعب النظيف، يتحول إلى عائق اقتصادي خطير.
الأموال التي يديرها ليست ملكًا له، بل هي جزء من الدورة الاقتصادية، ويُفترض أن تُدار بعدل.
من حق البنك أن يربح، ولكن ليس على حساب دماء المجتمع.
أما بنك المغرب، المفروض أنه الجهة الرقابية، فقد تحول إلى حارس للاحتكار بدل أن يكون حاميًا للمنافسة!
دوره اليوم أشبه بـ”أب حنون” للبنوك… أو شرطي نائم في ملتقى الطرق!
الخلاصة؟
الأبناك المغربية تتبع فلسفة غريبة: تعطيك المظلة في الصيف، وتسحبها منك في الشتاء.
والمشكلة أن المغاربة لا يرفعون دعاوى ضد الأبناك. يكتفون بالدعاء عليها في صلواتهم، لأن أغلبهم لا طاقة لهم بمصاريف المحامين والقضايا.
أو لأنهم يرون في البنك “مخزنًا مالياً”، لا شركة تجارية تسبح في مياه ضحلة، حيث لا قانون، ولا شرطي، ولا قاض، ولا ضمير.
فالمال، كما قال المسيح عليه السلام، أصل كل شر.
ليست هناك تعليقات