احمد عصمان يتجرأ على المرحوم الحسن التاني
حكى لي الراحل محمد بنعيسى عن حوار جرى في أحد المجالس الوزارية التي كان يترأسها الملك الراحل الحسن الثاني في أواسط الثمانينيات. كانت الحكومة يومها تتكوّن من وزراء معروفين، وليسوا من فئة (مهبول أنا).
قال أحمد عصمان، وهو آنذاك وزيرًا أول. وكان النقاش يدور حول أحوال البلاد التي لا تُسر – قديمًا وحديثًا-. وفجأة، قال عصمان – وهو الرجل المحافظ وابن دار المخزن – موجّهًا كلامه إلى الملك الحسن الثاني، في لحظة جرأة نادرة:
“جلالة الملك، le pays est mal gouverné” (أي إن البلاد تُحكم بشكل سيّئ).
كان ذلك قولًا ثقيلًا، لأن جلّ الوزراء لم يكونوا يجرؤون حتى على النظر في عيني الملك، فما بالك بمصارحته بكلام ثقيل كهذا.
ردّ الحسن الثاني على وزيره الأول لم يتأخر، قال له على الفور، وبنبرة لم تخلُ من الغضب:
“Non, le pays est mal géré” (لا، أبدًا، البلاد تُسير بشكل سيّئ).
وطبعًا، هناك فرق جوهري بين “الحكم” باعتباره اختيارًا ملكيًا وسياسة عاهل، وبين “الإدارة والتسيير” باعتبارهما من اختصاص الحكومة والوزير الأول والوزراء.
لقد حاول عصمان إلقاء الكرة في ملعب الملك وتحميله مسؤولية ما يقع، لكن الحسن الثاني أعاد الكرة إليه مباشرة، وبضربة مقص.
ساد الصمت في القاعة، ولم يُفِق أحد من وقع الصدمة، إلا والحسن الثاني يرفع الاجتماع. وكانت لفلتة عصمان هذه ما بعدها…
تابعت التعيينات الأخيرة في أكثر من مؤسسة متخصصة في الحكامة، ونوع البروفايلات التي جرى التمديد لها أو تدويرها من منصب إلى آخر، أو التي جرى استدعاؤها لأول مرة لمناصب في مؤسسات الدولة. كما تابعت أطوار التعديل الحكومي الذي جرى في أكتوبر من السنة الماضية؛ تعديل أخذ فيه أخنوش راحته على الآخر. ووصلت إلى الملاحظات التالية:
1/ الدولة لا تتقاسم مع جلّ المتابعين والرأي العام التحليل القائل بوجود أزمة سياسية عميقة في البلاد، ناتجة عن الفراغ السياسي الذي لم تملأه حكومة أخنوش لأسباب بنيوية،
وأن هذا الفراغ انعكس سلبًا على أوضاع حقوق الإنسان وحرية التعبير وصورة البلد في الخارج وفي التقارير الدولية، وقضى نهائيًا على شيء اسمه الانفتاح الديمقراطي وصحافة حرة ومستقلة ونشر جوا من الخوف في المملكة .
من خلال أداء الدولة والحكومة، يتضح أنهما مع لا تؤمنان بشيء اسمه “الفراغ السياسي”، ولا تعترفا بشيء اسمه “الاحتقان الحقوقي”. الأمور، بالنسبة لهما، عادية ولا شيء يستحق الانتباه إليه.
2/ من خلال التعيينات الأخيرة ونوع البروفايلات المختارة لعدد من المؤسسات العمومية، يتضح أن منطق الاستمرارية هو السائد او الغالب ، وليس هناك أي مؤشّر على أن تغييرًا قادمًا أو حتى محتملًا. وهذا راجع إلى إحساس الدولة بأنها تسيطر تمامًا على الوضع، وأن ضعف الأداء الحكومي وتوالي المؤشرات السلبية وغليان القاع الاجتماعي بخصوص ارتفاع نسبة البطالة، وانتشار الفساد، وتضارب المصالح، وموجة الغلاء التي تضرب الأسواق، وازدياد أعداد الشباب الذين يحلمون بالهجرة إلى الخارج… كلها مشاكل وقضايا يمكن حلها أو امتصاصها في ظل الحكومة الحالية والأغلبية القائمة.
3/ من خلال التدقيق في الأسماء التي وُضعت على رأس عدد من المؤسسات العمومية، يتضح أن المعيار الأول الذي احتكمت إليه هذه التعيينات هو (الولاء) الكامل لاختيارات الدولة، وليس (الكفاءة)، ولا الإنجاز، ولا الجرأة على القول أو الفعل أو حتى التفكير خارج الصندوق…الدولة مكتفية بنخبها التقليدية وليس لها استعداد للانفتاح على نخب جديدة..
الدولة تجيب اليوم على سؤال أحمد عصمان (آخر من بقي حيًا من جيل الحسن الثاني)، وتقول له ولغيره :المشكل لا يوجد لا في الحكم ولا في الإدارة والتسيير، كلشي تمام التمام…
وأنا أريد أن أصدق الدولة وأكذّب عيوني، فماذا أفعل ؟
ليست هناك تعليقات